ملخص كتاب “من جيد إلى عظيم”

Estimated read time 1 min read
شارك المقال

أكثر الأوقات التي يتحدث بها الناس بحماس؛ هي عندما يتكلمون عن أبنائهم. في تلك اللحظات تسقط كل الحصون وتنفتح قلوب الآباء والأمهات. تلمع أعينهم، وينطلقون في الكلام وينسون أنفسهم حتى تخالهم لن يتوقفوا أبداً. يدور حديثهم عن شيءٍ واحد فقط؛ أبنائهم! مركزين الضوء على عبقرية أبنائهم، وكيف يتميزون عن أقرانهم، وعن سيل المدح الذي سمعوه من معلميهم.

شخصياً وقبل ولادة صغيراتي، كنت أفكر وأبحث! وأعجز عن إيجاد إجابة شافية وواضحة، حول كيف أربي أطفالي تربية حسنة، تحافظ على دينهم وعلى شخصياتهم، وتجعل منهم أفراداً متميزين ومفيدين في المجتمع. هذه الأسئلة لا تزال ترافقني ولا أظنها ستفارقني، حتى بعد أن بلغت كبرى بناتي نهى سنها الثاني عشر. حلمت أن أشارك بناتي حبي للقراءة والتعلم. لذلك أحرص أن أخبرهن عن الكتب التي قرأتها أو تلك التي اقتنيتها حديثاً وعما وجدت فيها. ورغم أن قراءتي تكاد تنحصر مؤخراً في كتب الأعمال، فإني أحاول أن أنتقي لهن المقاطع التي يمكن أن تمنحهن القدرة على الحلم والإلهام والعزيمة، أو بعض النصائح العملية البسيطة.

“من جيد إلى عظيم” (Good to Great) – جيم كولينز (Jim Collins)
كتاب اليوم هو “من جيد إلى عظيم” (Good to Great) لكاتبه جيم كولينز (Jim Collins)، والذي قدم فيه دروساً للشركات، حتى تنتقل من شركات جيدة إلى شركات رائعة أو متميزة. ذكر هذا الكتاب عبارة في أول سطوره، تكاد تكفي لتقلب عالمنا إذا تفكرنا فيها؛ وهي “الرضا بالجيد هو عدو العظمة”. هذه العبارة تطرح السؤال التالي: كم من مرة رضينا بالجيد في حياتنا رغم أنه كان بإمكاننا أن نسعى للتميز؟ وهذه هي الرسالة التي حاولت نقلها لبناتي، والتي أود أن أنقلها لكم اليوم. يمكن لأطفالنا أن يكونوا متميزين ومتفوقين، ولكننا عندما نرضى بالجيد فإننا قد نعدهم لعدم السعي نحو التفوق والتميز.

في زمن صار فيه الأطفال وأولياؤهم يفرحون بشهادة المشاركة، ويساوونها بجوائز التفوق سأحاول أن أشارككم ثلاث نقاط من الكتاب نصح بها الكاتب للوصول للتميز:

  • الأشخاص أولاً.

في عالم مقسوم بين عمل المجموعة والتميز الفردي، نلاحظ اليوم صعوداً سريعاً للقيم الفردية. خاصة مع المقولات التي تشجع على الاعتماد على النفس، والانتشار غير المسبوق لمنصات التواصل الاجتماعي. في هذا الإطار يركز جيم كولينز على اختيار أفراد المجموعة قبل تحديد الهدف عند تكوين وإنشاء الفرق. حيث بينت الأبحاث أن فرص النجاح تكبر، عندما نختار الأشخاص المناسبين. مع هذه المعلومة أدعو نفسي وإياكم أن نعد أبناءنا وبناتنا، حتى يبنوا شخصياتهم البارزة، حيث يمكننا أن نساعدهم بذلك من خلال تعويدهم على ما يلي:

اختيار القرار وأخذه.
مناقشة الأحداث، وإبداء آرائهم.
التجربة وعدم الخوف من “الفشل”.

الالتزام بالأخلاق. مثل المحافظة على الوعد، والاحترام، والمشاركة، والعمل مع الغير.

  1. ثقافة الانضباط.

وضح الكاتب أنه مقابل الحرية التي نفرح ونفخر بها، يجب إرساء قيمة المسؤولية. المسؤولية والانضباط قيمتان تساعداننا في كل أطوار حياتنا، خاصة إذا تحلينا بهاتين القيمتين وتعلمناهما منذ عمر مبكر.

وركز كولينز أيضاً في كتابه هذا، على التحلي بالانضباط كثقافة لا أمراً نقوم به أحياناً ونتركه أحياناً أخرى. ومن أكثر النقاط التي شدت انتباهي؛ هي توضيحه كيف أننا نضع قوانين رتيبة وعقيمة وربما ظالمة تنظم أعمالنا وحياتنا، لا لشيء، إلا لأننا عجزنا في زرع قيمة الانضباط. لكننا بتلك القواعد والقوانين العقيمة لن نصلح الأمور، وإنما ستتفاقم مشاكل حذف شخصية أبنائنا، عن طريق قمعهم وعدم منحهم مساحة حرية ومسؤولية، هم في أمس الحاجة لها.

  • من المهم أيضاً.

أن نفرق بين الضوابط والانضباط، لأن الخلط بينهما سهل جداً. الضوابط هي القوانين التي نضعها، والتي تؤدي إلى التحكم في حياة أبنائنا وبناتنا، دون منحهم مساحة للاختيار والتعلم. أما الانضباط المنشود؛ فهو قيمة نغرسها في أبنائنا وبناتنا، ثم ننميها ونسعى لتكبيرها، لأنها ستغنينا عن الحاجة لمراقبتهم، وأيضاً ستغنينا عن وضع الضوابط والقوانين، التي يمكن أن تتسبب في حذف شخصياتهم أو حتى دفعهم لعصياننا.

الانضباط؛ لا يأتي إلا مع تنامي حس المسؤولية. نستطيع أن نبدأ بزرع المسؤولية في نفوس أطفالنا من خلال أبسط الأشياء! عن طريق السماح لهم باختيار الثياب، أو تعويدهم على أكل الطعام دون مساعدة منا، أيضاً تعويدهم على تحمل مسؤولية إدارة المال عند شراء الطعام أو الثياب، أو من خلال كفالة شخص، أو الاعتناء بحيوان أليف.

وليس غريباً أن نرى تعلق الأطفال بألعاب مثل FarmVille. إذ أنهم يشعرون أثناء لعبها بمسؤولية كاملة لتنمية مجتمع، و الاهتمام بأكلهم وسكنهم وكل ما تحتاجه حياتهم. وتجدهم بالنهاية قد فهموا “قواعد اللعبة”، وربما يقومون تطبيقها بحياتهم اليومية من خلال تحويلها إلى “قواعد حياة”.

الخلاصة هنا؛ هو أن كل الحدود والقوانين، التي نريد أن نجبر أطفالنا عليها، لن تجدي نفعاً. بل أنه من الأولى أن نعلمهم الانضباط، وأن نقوم بتحرير قيودهم، حتى يتمكنوا من تنمية وتطوير قيمة أخذ القرار، وحتى نساعدهم أن يتعلموا المسؤولية مع الانضباط مبكراً.

  1. المسرعات التكنولوجية.

الكاتب له فكر خاص متعلق بالتكنولوجيا. فكرته الرئيسية هي أن التكنولوجيا لا تصنع التميز، وليست سبباً رئيسياً في التميز. ولكنها في المقابل، تجعل التميز سهلاً وممكناً. إذا قمنا بربط هذه الفكرة مع النقطتين السابقتين، والتي سعينا من خلالهما إلى تكوين الشخصية المتفردة للطفل، والتي تحقق الانضباط. فإن التكنولوجيا هنا تحل محل الداعم لهذه الشخصية، تقويها وتدعمها وترفع من شأنها.

بالنظر إلى تكويني الأكاديمي “مهندس كمبيوتر”، واختصاصي المهني لأكثر من عشر سنوات “مستشار انترنت”؛ فإني أود أن أضيف مما في جعبتي التالي:

يتعامل الناس مع الإنترنت والتكنولوجيا بثلاثة طرق:

1- مستهلك. يستعمل أدوات التكنولوجيا من أدوات ذكية والانترنت فقط للمشاهدة واللعب.

2- منتج. يوظف التكنولوجيا والانترنت لصناعة محتوى. فهو لم يقف مكتوف الأيدي ولم يقف عند الاستهلاك.

3- مبدع ومبتكر. يجاري المخترعين ويبحث عن التميز، ويترك بصمته النافعة في المجتمع.

الجميل هنا أن مرور أطفالنا بهذه المراحل الثلاث، يعتمد علينا نحن، وعلى الطريق الذي وضعناهم عليه منذ البداية. فالأطفال يبدأون حياتهم كمستهلكين بالمعنى الحرفي، ثم سيمرون بمرحلة الإنتاج عسى أن نراهم في آخر الطريق رجالاً مبدعين وسيدات مبتكرات.

خاتمة

سعدت بنقل فكرة الكتاب البسيطة لكم، والتي رغبت بترجمتها بكلماتي الخاصة، النابعة من الإيمان بأن التميز ليس حكراً على أشخاص موهوبين رزقهم الله موهبة خاصة منذ الولادة، بل هو كامن في كل واحد منا. وأول خطوة؛ هي أن نتحلى بهذا الإيمان ونزرعه في أبنائنا، مع التأكيد على أن التميز لا يأتي مجاناً، وإنما هو نتيجة عمل وكد وجهد غير قليلين.

في النهاية أًصدقائي سأقول لكم أنه لا توجد معادلة واضحة، ولا قائمة أعمال ثابتة تقودنا نحو النتيجة المرجوة. بل هي اجتهادات ومحاولات. كم أود أن أسمع تجاربكم وكم أرغب بمعرفة النصيحة التي ستبدؤون بتطبيقها مع أطفالكم.


شارك المقال

مقالات في نفس السياق

مقالات للكاتب